الإحتشام بعد التعري، والإستقامة بعد الإنحراف، والثبات على طاعة الله بعد طول عصيانه، أمورٌ ليست بالهينة واليسيرة على كل مَن تحاول من الفتيات أو النساء بمثابرة ودأب أن تطوي صفحة الماضي السوداء الحافلة بالإنحرافات والتجاوزات، وتتخلص منها إلى أبد الدهر، وتفتح صفحة جديدة نظيفة من كتاب حياتها تختلف شكلًا وموضوعًا عن سابقتها..
فهذا التحول المحمود يحتاج من كل مَن إحتشمت حديثًا إلى جِهاد وإرادة فولاذية لا تهزها أو تكسرها أي ريح -حتى لو كانت عاتية- كما تتطلب ثقة شديدة بالله وحسن الظن به والتسليم التام لأمره، والصبر الجميل والمقاومة الشديدة لكل المؤثرات الداخلية والخارجية التي من شأنها تثبيط الهمة وكسر العزيمة ووأد الإلتزام الجديد في مهده للرجوع مرة أخرى إلى مربع الصفر..
فكم من إمرأة لم تستطع إستكمال السير في طريق الإستقامة والهُدى، ووقعت في مقدمة الطريق بعد أن خطت خطوات بسيطة، لأنها إستسلمت لألاعيب ووساوس شياطين الإنس والجِن، وخضعت راغبة أو مكرهة لهَوى نفسها الأمارة بالسوء، ولم تجاهدها وتسيطر عليها لتنهض من غيبوبتها وضلالها وإنغماسها في براثن فِتَن وملذات الدنيا الزائلة لا محالة!..
على الجانب الآخر نرى فتيات ونساء من ذوات الهمم العالية والنفوس القوية الأبية يسعين بثقة ويقين وصبر على شر الأشرار وكيد الفجار الذين لا يريدون لهن العفة والطُهر والعزة والحياة الكريمة والذين يهيئون لهن بكل ما أوتوا من وسائل أجواءً ملبدة غائمة عاصفة، ويلونون الدنيا من حولهن ويزينونها، ويسلطون عليهن بمكر وخِسة القنوات الفضائية المنحطة وصُحُف الحرام لتحاربهن وتصب جام غضبها على عفتهن وطُهرهن وإصرارهن على التمسك بتعاليم الدين الحنيف، وذلك بالسخرية الدائمة من منظر حجابهن، واصفين إياه بالخيمة والكفن ومانع النسيم وحاجب العقل.... إلخ.. فضلًا عن الإستهزاء بكل من تحتشم وترتدي الحجاب وإتهامها بأنها مقهورة ومكبوتة ومعقدة، تريد بتدينها والتزامها أن تنفس عن عُقَد نفسية دفينة، فهي المخدوعة بوهم الحشمة، وهي ضحية لتسلط الرجل، كما أنها دليل على الإرهاب والتشدد والتطرف!..
هؤلاء المحتشمات العفيفات اللواتي بقين شامخات شجاعات لا تتبدل مبادئهن ولا تنحرف أفكارهن الصائبة، ولا يستطيع كائنٌ مَن كان أن يرجعهن إلى الوراء مهما تعددت أساليب الإغراء الداعية إلى التفسخ والإنحلال والتميع..
حيث يرفضن أن يكنَّ دنيا للعلمانية ولا بضاعة في يد المولعين بالحداثة والمدنية، ولا مملوكات في سوق النخاسة والنجاسة، ولا لقمة سائغة وفريسة سهلة لكلاب وذئاب السكك والطرقات..
فالحجاب بالنسبة لهن شرف لا يُساوَمن عليه، والإختلاط شر ومقت وإن قالوا عنه تحضر ومدنية، والخروج من البيت لغير حاجة مجلبة لغضب الله ومقت الخلق.. كما أن الإنحراف بالنسبة لهن إنحرافٌ مهما زينه المزينون وحسنه المحسنون، أما الفضيلة فيرينها كل ما يمت لتعاليم الشريعة الإسلامية بِصلة..
فمَهما حاول أهل الضلال والسوء إثناءهن عن الحق والصلاح والإلتزام برميهن وإتهامهن دومًا بالجاهلية والرجعية والتخلف وعدم التعايش مع العصر الحديث يزددن صلابة وإصرارًا على السير في الطريق إلى الله، لعلمهن بأن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ودينه ودعوته ليست مرتبطة بزمن معين وإنما باقية إلى قيام الساعة..
اللهَ أسألُ أن يهدي فتيات ونساء الأمة العربية والإسلامية إلى ما يحب ويرضى، وأن يسترهن بستره ويثبتهن إذا إستقاموا ويقَوِّمهن إذا إعوجوا، وأن يقيهن شر أنفسهن وشر شياطين الإنس والجن الضالين المضلين، آمين يا رب العالمين.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.